كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل:
والاستعاذة عند القراءة سُنَّةٌ في الصلاة وغيرها.
وفي صفتها عن أحمد روايتان:
إحدهما: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها أبو بكر المروزي.
والثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها حنبل.
وقد بيَّنَّا معنى {أعوذ} في أول الكتاب [ص: 7]، وشرحنا اشتقاق الشيطان في [البقرة: 14]، والرجيم في [آل عمران: 36].
قوله تعالى: {إِنه ليس له سلطان على الذين امنوا} في المراد بالسلطان قولان:
أحدهما: أنه التسلُّط.
ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ليس له عليهم سلطان بحال، لأن الله صرف سلطانه عنهم بقوله: {إِن عبادي ليس لك عليهم سلطان إِلاَّ من اتَّبعك من الغاوين} [الحجر 42].
والثاني: ليس له عليهم سلطان، لاستعاذتهم منه.
والثالث: ليس له قُدْرة على أن يحملهم على ذَنْب لا يُغْفَر.
والثاني: أنه الحُجَّة.
فالمعنى: ليس له حُجَّة على ما يدعوهم إِليه من المعاصي، قاله مجاهد.
فأما قوله: {يَتَولَّوْنه} معناه: يطيعونه.
وفي هاء الكناية في قوله: {والذين هم به مشركون} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الله تعالى، قاله مجاهد، والضحاك.
والثاني: أنها ترجع إِلى الشيطان، فالمعنى: الذين هم من أجله مشركون بالله، وهذا كما يقال: صار فلان بك عالمًا، أي: من أجلك، هذا قول ابن قتيبة.
وقال ابن الأنباري: المعنى: والذين هم باشراكهم إِبليسَ في العبادة، مشركون بالله تعالى.
قوله تعالى: {وإِذا بدَّلنا آية مكان آية} سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزِّل الآية، فيُعمَل بها مدة، ثم ينسخها، فقال كفار قريش: والله ما محمد إِلاَّ يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، ويأتيهم غدًا بما هو أهون عليهم منه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والمعنى: إِذا نسخنا آية بآية، إِما نسخ الحكم والتلاوة، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة {والله أعلم بما يُنزِّل} من ناسخٍ ومنسوخ، وتشديد وتخفيف، فهو عليم بالمصلحة في ذلك {قالوا إِنما أنت مفترٍ} أي: كاذب {بل أكثرهم لايعلمون} فيه قولان:
أحدهما: لايعلمون أن الله أنزله.
والثاني: لا يعلمون فائدة النسخ.
قوله تعالى: {قل نزَّلَه} يعني: القرآن {روح القُدُس} يعني: جبريل.
وقد شرحنا هذا الاسم في [البقرة: 87].
قوله تعالى: {مِن ربك} أي: من كلامه {بالحق} أي: بالأمر الصحيح {ليثبِّت الذين آمنوا} بما فيه من البيِّنات فيزدادوا يقينًا.
قوله تعالى: {ولقد نعلم أنهم يقولون} يعني: قريشًا {إِنما يعلِّمه بشر} أي: آدمي، وما هو من عند الله.
وفيمن أرادوا بهذا البشر تسعة أقوال:
أحدها: أنه كان لبني المغيرة غلام يقال له يعيش يقرأ التوراة، فقالوا: منه يتعلم محمد، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس.
وقال عكرمة في رواية: كان هذا الغلام لبني عامر بن لؤي، وكان روميًا.
والثاني: أنه فتى كان بمكة يسمى بلعام وكان نصرانيًا أعجميًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعلِّمه، فلما رأى المشركون دخوله إِليه وخروجه، قالوا ذلك، روي عن ابن عباس أيضًا.
والثالث: أنه نزلت في كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيملى عليه {سميع عليم} فيكتب هو {عزيز حكيم} أو نحو هذا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي ذلك كتبت فهو كذلك»، فافتتن، وقال: إِن محمدًا يَكِل ذلك إِليَّ فأكتب ما شئت، روي عن سعيد بن المسيب.
والرابع: أنه غلام أعجمي لامرأة من قريش يقال له: جابر، وكان جابر يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتعلم منه، فقال المشركون: إِنما يتعلم محمد من هذا، قاله سعيد بن جبير.
والخامس: أنهم عَنوا سلمان الفارسي، قاله الضحاك؛ وفيه بُعْدٌ من جهة أن سلمان أسلم بالمدينة، وهذه الآية مكية.
والسادس: أنهم عَنَوا به رجلًا حدّادًا كان يقال بحُنّس النَّصراني، قاله ابن زيد.
والسابع: أنهم عَنَوا به غلامًا لعامر بن الحضرمي، وكان يهوديًا أعجميًا، واسمه يسار، ويكنى أبا فُكَيهة، قاله مقاتل.
وقد روي عن سعيد بن جبير نحو هذا، إِلاَّ أنه لم يقل: إِنه كان يهوديًا.
والثامن: أنهم عَنَوا غلامًا أعجميًا اسمه عايش وكان مملوكًا لحويطب، وكان قد أسلم، قاله الفراء، والزجاج.
والتاسع: أنهما رجلان، قال عبد الله بن مسلم الحضرمي: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لأحدهما: يسار وللآخر جبر وكانا يصنعان السيوف بمكة، ويقرآن الإِنجيل، فربما مرَّ بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرآن، فيقف يستمع، فقال المشركون: إِنما يتعلم منهما.
قال ابن الأنباري: فعلى هذا القول، يكون البشر واقعًا على اثنين، والبشر من أسماء الأجناس، يعبّر عن اثنين، كما يعبر أحد عن الإثنين والجميع، والمذكر والمؤنث.
قوله تعالى: {لسان الذي يُلحِدون إِليه أعجمي} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبوعمرو، وابن عامر، وعاصم: {يُلحِدون} بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ حمزة، والكسائي: {يَلحَدون} بفتح الياء والحاء.
فأما القراءة الأولى، فقال ابن قتيبة: {يُلحدون} أي: يميلون إِليه، ويزعمون أنه يعلِّمه، وأصل الإِلحاد المَيْل.
وقال الفراء: {يُلحِدون} بضم الياء: يعترضون، ومنه قول: {ومَنْ يُرِدْ فيه بالحادٍ بظلم} [الحج: 25]. أي: باعتراض، {ويَلحَدون} بفتح الياء: يميلون.
وقال الزجاج: يَلَحدون إِليه، أي: يُميلون القول فيه أنه أعجمي.
قال ابن قتيبة: لا يكاد عوام الناس يفرِّقون بين العجمي والأعجمي، والعربيّ والأعرابي، فالأعجمي: الذي لا يُفصح وإِن كان نازلا بالبادية، والعجمي: منسوب إِلى العجم وإِن كان فصيحًا؛ والأعرابي: هو البدوي، والعربي: منسوب إِلى العرب وإِن لم يكن بدويًا.
قوله تعالى: {وهذا لسانٌ} يعني: القرآن، {عربي} قال الزجاج: أي: أن صاحبه يتكلم بالعربية.
قوله تعالى: {إِنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله} أي: الذين إِذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلاَّ الله، كذَّبوا بها، {وأولئك هم الكاذبون} أي: أن الكذب نعت لازم لهم، وعادة من عاداتهم، وهذا ردَّ عليهم إِذ قالوا: {إِنما أنت مُفْترٍ} [النحل: 101].
وهذه الآية من أبلغ الزجر عن الكذب، لأنه خُص به مَن لا يؤمن.
قوله تعالى: {مَنْ كفر بالله من بعد إِيمانه} قال مقاتل: نزلت في عبد الله بن سعد بن أَبي سرح القرشي، ومِقْيَس بن صُبابة، وعبد الله بن أنس بن خَطَل، وطعمة بن أُبيرِق، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وقيس بن الفاكه المخزومي.
فأما قوله تعالى: {إِلاَّ من أُكره} فاختلفوا فيمن نزل على أربعة أقوال:
أحدها: أنه نزل في عمار بن ياسر، أخذه المشركون فعذَّبوه، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
والثاني: أنه لما نزل قوله: {إِن الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أنفسهم} إِلى آخر الآيتين اللتين في سورة النساء [96، 97]. كتب بها المسلمون الذين بالمدينة إِلىَ من كان بمكة، فخرج ناس ممن أقرَّ بالإِسلام، فاتَّبعهم المشركون، فأدركوهم، فأكرهوهم حتى أعطوا الفتنة، فنزل: {إِلاَّ من أُكره وقلبه مطمئن بالإِيمان}، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثالث: أنه نزل في عياش بن أبي ربيعة، كان قد هاجر فحلفت أُمُّه ألاَّ تستظل ولا تشبع من طعام حتى يرجع، فرجع إِليها، فأكرهه المشركون حتى أعطاهم بعض ما يريدون، قاله ابن سيرين.
والرابع: أنه نزل في جبر، غلام ابن الحضرمي، كان يهوديًا فأسلم، فضربه سيِّده حتى رجع إِلى اليهودية، قاله مقاتل.
وأما قوله: {ولكنْ مَن شرح بالكفر صدرًا} فقال مقاتل: هم النفر المسَمَّوْن في أول الآية.
فأما التفسير، فاختلف النحاة في قوله: {من كفر} وقوله: {ولكن من شرح} فقال الكوفيون: جوابهما جمعيًا في قوله: {فعليهم غضب}، فقال البصريون: بل قوله: {من كفر} مرفوع بالرد على {الذين لا يؤمنون}.
قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون خبرُ {مَن كفر} محذوفًا، لوضوح معناه، تقديره: من كفر بالله، فالله عليه غضبان.
قوله تعالى: {وقلبه مطمئن بالإِيمان} أي: ساكن إِليه راضٍ به.
{ولكنْ مَن شرح بالكفر صدرًا} قال قتادة: من أتاه بايثار واختيار.
وقال ابن قتيبة: من فتح له صدره بالقبول.
وقال أبو عبيدة: المعنى: من تابعته نفسه، وانبسط إِلى ذلك، يقال: ما ينشرح صدري بذلك، أي: ما يطيب.
وجاء قوله: {فعليهم غضب} على معنى الجميع، لأن {مَنْ} تقع على الجميع.
فصل:
الإِكراه على كلمة الكفر يبيح النطق بها.
وفي الإِكراه المبيح لذلك عن أحمد روايتان:
إِحداهما: أنه يخاف على نفسه أو على بعض أعضائه التلف إِن لم يفعل ما أُمر به.
والثانية: أن التخويف لا يكون إِكراها حتى يُنَال بعذاب.
وإِذ ثبت جواز التَّقِيَة فالأفضل ألاَّ يفعل، نص عليه أحمد، في أسير خُيِّر بين القتل وشرب الخمر، فقال: إِن صبر على القتل فله الشرف، وإِن لم يصبر، فله الرخصة، فظاهر هذا، الجوازُ.
وروى عنه الأثرم أنه سئل عن التَّقيَّة في شرب الخمر فقال: إِنما التقية في القول.
فظاهر هذا أنه لا يجوز له ذلك.
فأما إِذا أُكره على الزنا، لم يجز له الفعل، ولم يصح إِكراهه، نص عليه أحمد.
فإن أُكره على الطلاق، لم يقع طلاقه، نص عليه أحمد، وهو قول مالك، والشافعي.
وقال أبو حنيفة: يقع.
قوله تعالى: {ذلك بأنهم استحبَّوا الحياة الدنيا} في المشار إِليه بذلك قولان:
أحدهما: أنه الغضب والعذاب، قاله مقاتل.
والثاني: أنه شرح الصدر للكفر.
و{استحبُّوا} بمعنى: أحبوا الدنيا واختاروها على الآخرة.
قوله تعالى: {وأن الله} أي: وبأن الله لا يريد هدايتهم.
وما بعد هذا قد سبق شرحه [البقرة: 7، والنساء: 155، والمائدة: 67]. إِلى قوله: {وأولئك هم الغافلون} ففيه قولان:
أحدهما: الغافلون عما يراد بهم، قاله ابن عباس.
والثاني: عن الآخرة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {لا جرم} قد شرحناها في [هود: 22].
قوله تعالى: {ثم إِنَّ ربك للذين هاجروا مِنْ بعد ما فُتنوا} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال:
أحدها: أنها نزلت فيمن كان يُفْتَن بمكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أن قومًا من المسلمين خرجوا للهجرة، فلحقهم المشركون فأعطَوهم الفتنة، فنزل فيهم {ومِنَ الناس من يقول آمنَّا بالله فإذا أُوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله} [العنكبوت 10]، فكتب المسلمون إِليهم بذلك، فخرجوا، وأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى من نجا، وقُتِل من قتل، فنزلت فيهم هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: أنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان الشيطان قد أزلَّه حتى لحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقتَل يوم الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وفيه بُعد، لأن المشار إِليه وإِن كان قد عاد إِلى الإِسلام، فإن الهجرة انقطعت بالفتح.
والرابع: أنها نزلت في عيَّاش بن أبي ربيعة، وأبي جندل بن سهيل عمرو، وعبد الله بن أَسيد الثقفي، قاله مقاتل.
فأما قوله تعالى: {من بعد ما فُتنوا} فقرأ الأكثرون: {فُتنوا} بضم الفاء وكسر التاء، على معنى: من بعد ما فتنهم المشركون عن دينهم.
قال ابن عباس: فُتنوا بمعنى: عُذِّبوا.
وقرأ عبد الله بن عامر: {فَتَنوا} بفتح الفاء والتاء، على معنى: من بعد ما فتنوا الناس عن دين الله، يشير إِلى من أسلم من المشركين.
وقال أبو علي: من بعد ما فَتنوا أنفسهم باظهار ما أظهروا للتقية، لأن الرخصة لم تكن نزلت بعدُ.
قوله تعالى: {ثم جاهدوا} أي: قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {وصبروا} على الدين والجهاد.
{إِن ربك من بعدها} في المكنيِّ عنها أربعة أقوال:
أحدها: الفتنة، وهو مذهب مقاتل.
والثاني: الفَعلة التي فعلوها، قاله الزجاج.
والثالث: المجاهدة، والمهاجرة، والصبر.
والرابع: المهاجرة.
ذكرهما واللَّذَين قبلهما ابن الأنباري. اهـ.